تحرير الجرود واثارها في لبنان د نسيب حطيط
شكّلت قضية احتلال الجرود اللبنانية على الحدود الشرقية مع سورية منذ بداية الحرب على سورية، إشكالية أمنية واقتصادية واجتماعية، وكذلك سياسية حيث انقسم اللبنانيون وطالب بعضهم بتنظيم عملية استقبال النازحين بما يتلاءم مع الواقع اللبناني، حيث رأى فيهم ذراعاً عسكرية يستطيع من خلالها إحداث التوازن مع المقاومة في الداخل اللبناني، واستثمارها في الداخل السوري عبر دعم المعارضة المسلحة في منطقة حساسة قريبة من دمشق، وتقطع طرق الإمداد للمقاومة، وبالتالي فإن مخيمات النازحين، في عرسال خصوصاً، تمثّل "التدخّل المباشر" العسكري والسياسي لقوى "14 آذار" في الحرب على سورية.
بدأت مفاعيل وآثار تحرير قسم من الجرود اللبنانية المحتلة من الجماعات التكفيرية بغطاء النازحين المدنيين، وبغطاء سياسي ومذهبي لبناني، حيث بادرت القوى الحليفة لسورية، وفي مقدمها حركة أمل وحزب الله، إلى كسر المقاطعة السياسية والأمنية والاقتصادية بين لبنان وسورية، وتعرية "ازدواجية" المواقف عند القوى الأخرى، حيث يوافق الجميع على تبادل السفراء وتعيين سفير لبناني في دمشق، والعلاقات الاقتصادية والتجارية وغيرها لكنهم يقولون بعدم التواصل مع دمشق، تنفيذاً لضغوط وإيحاءات خارجية، ومكابرة داخلية، مراعاة لجمهورهم الذي حرّضوه طوال أكثر من عشر سنوات على سورية وخيّبته من كل الوعود والمواعيد التي أبلغوه إياها عن رحيل الرئيس الأسد وسقوط سورية واستلام المعارضة المسلّحة الحُكم، وحصار المقاومة في لبنان، وإعادة الإمساك بزمام السلطة بشكل مطلق.
تحرير جرود لبنان الشرقية هو الجسر لتحرير القرار السياسي اللبناني من الضغوطات الخارجية العسكرية البديلة والمتكاملة مع الضغوط العسكرية والأمنية للعدو "الإسرائيلي" جنوباً، وبالتالي تحرير العلاقات السورية - اللبنانية التي وللتذكير لم تُقطع ولم يُسحب أو يُطرد السفراء من عاصمتي البلدين طوال الأحداث السورية، خلاف ما قامت به معظم الدول العربية وتحاول بعض القوى السياسية السير عكس الاتجاه والتيار السياسي الدولي، حيث إن الدول العربية والغربية بدأت بإعادة الاتصال بدمشق تمهيداً للتعاون وعودة السفراء، بعدما فشلت في تحقيق شعاراتها بإسقاط الرئيس الأسد أو الدولة السورية، وينطبق على هذه القوى مثل "يرزقك الحج والناس راجعين".
تحرير العلاقات السورية - اللبنانية هو في مصلحة البلدين والشعبين، مع أرجحية لصالح لبنان، الذي يقف بموقع الأكثر حاجة لهذه العلاقات الاقتصادية والتجارية والأمنية لتصدير منتجاته إلى الأسواق العربية، وبرمجة التبادل الزراعي لحماية الزراعات اللبنانية، وكذلك تنظيم عودة النازحين دون تدخُّل دولي أو إقليمي، بعد نجاح ترحيل المسلحين والنازحين من عوائلهم بشكل آمن، وبرعاية الدولتين السورية واللبنانية، والمقاومة في المرحلة الأولى، مع ترحيل مسلحي "جبهة النصرة"، والمرحلة الثانية ترحيل مسلحي "سرايا أهل الشام" مع عوائلهم، وتسهيل الدولة السورية للمسلحين، واستقبالهم على أراضيها مع ما يمثّل من عبء أمني ونفسي على الدولة والجيش والشعب السوري.
تحرير الجرود والقرار السياسي يمثل بداية نهاية أحلام قوى "14 آذار" المراهنة على سقوط سورية، وإعلان عن بداية مرحلة سياسية جديدة في لبنان، تُغلق بوابة التدخُّل اللبناني المعارض للدولة السورية، سياسياً وعسكرياً، وإعلان غلبة الموقف المقاوم على موقف المعارضات السورية وحلفائها في لبنان، وفشل جديد للمشروع الأميركي - "الإسرائيلي"، في لبنان خصوصاً والمنطقة عموماً، وخير قدَر أن يتزامن هذا الانتصار السياسي للمقاومة في لبنان مع انتصارها في حرب تموز 2006.
د. نسيب حطيط